قصة قصيرة - زئير(غربة روح وجسد) - ولاء عبد المنعم
أخرج من معطفه جريدته المفضلة بعدما جلس في زاويتة المفضلة، كان دائم الجلوس على ذلك المقهى المجاور لمنزله، يحتسي قهوته بينما يطالع تلك الجريدة، كان دائم الصمت لايتكلم مع أحد ولا يشغله احد، كل ما أهمه بها هي الأخبار السياسية وبعض الاخبار المنوعة، يرتشف رشفة من فنجان القهوة الذي يشبه ملامحه القاتمة السوداء التي حفرت بقسمات وجهه السبعينية وكأنما يستنشق معها عبير السنون الماضية، يضع الفنجان من يديه ثم يمسك بالجريدة فتلك مهمة بالغة الصعوبة أن يمسك الجريدة والفنجان بكلتا يديه فإحداهما مبتورة، وبيده المرتعشة الباقية يقلب صفحات الجريدة يمينا ويسارا، وخلف زجاج نظارته عينان غائرة في محجرها مترهلة الأجفان كان يحدق بهما ليرى سطور الجريدة المتراصة، بينما هو مستغرق كعادته في التصفح كنت أنا هنا أراقبه عن كثب، سكناته وحركاته ويكأني أهيم به عشقا، ولكنه فضول الصحافة المعهود وروح الكاتب التي تطارد كل ما تراه من أشخاص لتستخلص بطل جديد لرواية أو حدث لمقال مثير تلتف حوله الناس، أنا ذلك الشاب في عقدي الثلاثيني يثيرني صمت هذا الرجل وكأني أرى خلف صمته إما حكمة خلاصة عمره او قصة مثيرة للشفقة أو حدث تضج له الأوساط الأدبية والعالمية، تلك حاستي تجاه الرجل رغم سكونه وأعتياده على فعل نفس الاشياء كل يوم برتابة يومية، والغريب بالأمر أنني لا أملّ أن أراه كل يوم على حالته هذه، بل أظل أنظر وأتمعن بملامحه كأنها تستلهمني لشئ ما، لا أعرف ما هو؟ أم إنه الفضول وحسب لا أدري؟!، ولكن الأفكار تقودني إلى أشياء كثيرة في هذا المكان، أنا الأن أراه يحدق بالجريدة وملامحه مشدوهة وقد فغر فمه وكانما وجد شيئا أثار الدم بعروقه وبدا عليه السخط ، غريب هذا الرجل ما رأيته متوتر يوما هكذا، أرى يده تقبض على الجريدة بشدة وغيظ، ترى هل قرأ نعيا لأحد أقاربه ؟ أم أن أحداث اليوم لا تروق له؟ يساورني شعور بالتطفل عليه وسؤاله، ولكن كيف لو نهرني ؟، ما هذا القلق والتوتر؟ غالبا سأظل أنظر إليه حتى أرى ما سبب حالته تلك، يا إلهي إنه يبكي ويتهدج صوته بالبكاء أراه يصرخ ألما ووجعا، والناس مشدوهة من حالته يضربون كفا بكف ما اضناه هذا العجوز الذي تجرع الصمت سنينا عدة حتى ظن الناس أنه أبكم، ولكنه الخرس الذي يلتزمه بعض الناس ويتقوقعون على نفسهم حتى لا يضطرون لتبرير معاناتهم وبعض أسرارهم القابعة بدواخلهم.